arablog.org

بين تونس و الصغير أولاد أحمد تقفُ تلك المغتربة

أعود لوطني محملة بأوجاع الشوق و الغربة وحكايات الحب و الفرح و الحزن .تعتريني حالة تشبه الارتباك و الغضب ، يراودني شعور بالريبة أحس بأني نصف أثيوبية نصف تونسية لا أدري من أكون .أدخل غرفتي أقف أمام مكتبي ألقي نظرة على وثائقي المبعثرة ، ألامس ضفائري الإفريقية، ألبسُ برنسي الأمازيغي ، أشتم رائحة البخور الجبلي المبارك بأوليائنا الصالحين من وضعته أمي فرحا بعودتي. أقولها سرا”لو قتلونا كما قتلونا لوشردونا كما شردونا لعدنا غزاة لهذا البلد” ، أبتسم أمام مرآتي أخفي دمعة نزلت حين حملتني الذكريات إلى زمن الجمر ، زمن الاتحاد العام لطلبة تونس حين كان إسم اليسار التونسي جريمة قد تزج بك إلى سجون زعبع. تمر أمامي عيني مشاهد لاعتصامات ما بعد الثورة حيث بكيت في داخلي مصير أحرار هذا البلد تلك الفئة التي كانت تٌرتل “أتتني القفة الأولى فلم أبصر بها قلمي ، كان الشعر مسلولا ..فآويت إلى حلمي ، فتحت القفة الأخرى فلم أعثر على ولدي و جائت دمعة حرى فقبلت ثرى بلدي نقابي و معترف و مختلف و منضبط…”
لا يستوي الوطن عندي دون الصغير أولاد أحمد ، لا يستوي أمامي عبق ذلك البخور دون حروف نساء بلادي و دون جرأة ذلك الرجل ، من إحترقت حين سمعت أن المرض نال من جسده كنتُ أدعو الله لشفائه و كنت أسال الخالق مع ترانيم كنائس الأرثوكدس أن يمنحه الحياة ليس من أجله فقط بل من أجلي و من أجل كل من إغترب عن الخضراء فقصائد ذلك المبدع كانت كمسكن لآلامي عند زمن الغربة.
تسألت كثيرا فكيف لي أن أزوره و كيف لنفسي أن ترى الشجاعة و الرجولة و النضالية ملقاة على فراش تنتظر أخبار الأطباء ، كيف لمن مثلي أن يتحملوا هول رؤية شاعر البلد عليلا ؟ و كيف لي مواساة رجل عظيم مثل الصغير أولاد أحمد ؟ كانت الأسئلة تدور بروحي لا بعقلي فذكر شاعر البلد مرتبط بتلك الشابة التي سرحت شعرها و لبست الكوفية الفلسطينية و إشترت أحمر شفاه خاص لتحضر أمسية شعرية للصغير أولاج أحمد في مدرج معهد إبن شرف سنة 2007 ، لتلاحقه نحو مشرب المعهد و تطلب منه أن يكتب لها على كراسها قصيدة نحب البلاد كما لا نحب البلاد أحد… ممضيا أسفلها شكرا للغزالة مها الجويني.
مرت سنوات على تلك الحادثة ، غادرت تلك الشريدة نحو أمريكا اللاتينية و جنوب القارة الافريقية و شرق آسيا و أوروبا و لم تنسى كلمات ذلك شاعر .
مرت سنوات ولازال أولاد أحمد يذكرني و يعرفني و يسمني بالطالبة رغم أني أخبرته بأنني موظفة دولية لكن شاعرنا أبى إلا أن يرى فيا الثائرة ، تفاجأت حين إبتسم لي و رحب بكرمه المعتاد بضيوفه حين كنت برفقة عادل حاج سالم و شوقي برنوصي جلسنا لنستلهم من روح ذلك الثائر ..
كان جالسا ، لا يترك سيجارته تحدث قليلا عن مرضة ثم فتح نقاشا عن الوضع الحالي و عن المسار الانتقالي و عن رفاقه و عن وضعية المبدع التونسي التي يجب أن تنهض كنت أستمع و أخزن في عقلي كل ما يلفظ به و أقول في داخلي : غبي من يظن أن المرض قد ينال من رجل مثله ، غبي من يفكر من مواساة أولاد أحمد ،نحن من نحتاج إليه لا هو” .
كان يسعل قليلا، يلعن الظالمين ، ينفث من سيجارته و يكمل حديثه ، كان لا يشبه أحد من هذ البلد أحسست بانني أمام قائد من الأرورموا يأتي بقوته من السماء و يحرك القردة و الذئاب و الحمام و يجلس هادئا في حضرة النساء . رأيت الصغير في رواية الأمازيغ عن إلاههم أطلس حين حارب زيوس رغن وصايا أثينا .
وحدها الأساطير من تستطيع فك شفرات أولاد أحمد ، وحدها ميثولوجيا من يمكنها أن تفهم سر رجل يقول : تونسي مرة واحدة ، تونسي دفعة واحدة أولا أكون. وحدها الكاهنة و أم الزين و السيدة المنوبية من يمتلكن أسرار ذلك الرجل من وٌلد من أرحامهن و كتب لأجلهن و أقسم بنساء هذا البلد .
صغير أولاد أحمد من قبلتُ يديه بكل قداسة و بكل حب كما أقبل ايادي أمي صباحا مساءا و قبل الصباح و بعد المساء و يوم الأحد.

بقلم مها الجويني

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *