arablog.org

حديث في عشق الصعاليك

في العاصمة مدغشقركتب لي أحد القراء.”إبقي كما أنت صعلوكة متمردة في زمن غاب فيه الصعاليك وألجمت اﻷفواه عنوة”
قرأت التعليق و ضحكت… أمسكت بكوب النسكافيه الساخن، شغَلتُ موسيقى “راي ” نظرت لكتبي المنثورة فوق الأريكة. أخذت بغيثارتي لأتابع لحن “بختة” للشاب خالد بقليل من النشاز كما يغنيها سكيري حارتنا القديمة عند أواخر ليلة السبت.
لا أذكر أنني لامست أوتار الغيثارتي لأغني لهارفي فيلار أو لداليدا أو لفرانسيس غابريال ، لا أذكر أنني كتبت يوما في مدونتي خواطر مستقيمة أو كلمات تعجب أخي الأكبر فكل ما أنثره كان على يسار الذوق العام ، كانت كلمات و أصوات هامشية متمردة يقال عنها مارقة أو”قليلة حياء” و لكنها في نظري لا تقل طهرا عن السماء . تتنزل مع بركات عروة إبن الورد و بشائر كاتب ياسين ووعد معطوب لوناس و فيها روح جان فانت و عليها سلام من أهل القرامطة.
إنني لم أسمع قط بموت أحد الصعاليك لأن الموت يخاف الصعاليك. فهم أقوام بحجم القضية هم أفكار و رسائل إنسانية تتجاوز فعل الزمن و تتجاوز الجغرافيا تحط على قلوبنا و تدفئ عقولنا لتثور ضد السائد. فالصعاليك هم تلك الهوامش التي تحدد تاريخ الأغلبية، هم أولئك اللذين يحملون أوجاعنا و يكتبون و يغنون و يجوبون أطراف العالم من أجل مبدأ و قضية يرونها عادلة.
وحدهم الصعاليك من تهبهم الحياة سر الخلود فهم كالملائكة لا تقلهم أرض واحدة ثانية من الزمن، هم شياطين يزرعون البلبلة أينما حلوا و هم من الجان نيران تحرق من يحاول إمساك بهم. و من يسأل الصعلوك أين مذاهبك ؟ و من يسأله هل لك مستقر؟
حين نعشق الصعاليك يتغير أمامنا دوران الأرض، فنرى الكواكب بعيون صعاليكنا فهم من اكتشفوها في الصحاري و في الفيافي وعلى الجبال حيث شبهوا القمر بشعر النساء و أخبروا النجوم عن أجمل العاشقات ، حين تخفق قلوبنا لابتسامة صعلوك فإننا سنهيم مثلهم و سنمشي بين الصخور و سنتخذ لزقاق المدن مسكنا و سنجعل للتمرد وطن و سننتمي لكل المجانين .
حين تعشقين صعلوكا، يصبح غبار الحواري القديمة أجمل من لوحات بيكاسو و يصبح مقهى “العنبة” في المدينة العتيقة أجمل من مطاعم مدينة قرطاج الفخمة، حين ترافقين صعلوكا سترين العالم من كلماته و من نفاث سيجارته الزهيدة التي اشتراها من بائع بسيط يجلس قارعة الطريق عندما كنتَ ترافيقنه في جولة و أنت تلبسين جينز أزرق و تشدين شعرك إلى فوق ، تمسكين بيده اليسرى حين كان يحدثك عن السياسة و عن الشعر و عن آخر لكمة قدَمها لأحدهم في إحدى حانات المدينة ليستوقفك و يقول : هناك لكمت فلان…و يستمر في الحديث ليستوقفك ليريك مكتبة تباع فيها منشورات النادرة عن الادب الروسي و عن متمردي ألمانيا .
وبين الفينة و الأخرى يخبرك عن عيناك و عن يداك اللطيفة و تجدين نفسك بين أحضانه أو ربما تخططين لقضاء المساء بين يديه الخشنة و تحت كلماته المجنونة التي ستنثرين أمامها شعرك المشدود الذي سيذعن للأمر ذلك الثوري العاشق الذي قد يحبك و يتركك لامرأة أخرى ، فالنساء عند الصعاليك كالأراضي يمرون عليها تاركين نبلهم و وجع فراقهم .

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *