arablog.org

قصتي مع الطلياني ….حين تنتصر الرواية للإنسان التونسي

بدأت قصتي مع الطلياني في بيروت ، حين وجدت الرواية على إحدى رفوف مكتبة أطوان بشارع الحمراء ، ترددت عند البداية في اقتنائها لأني لم أقرأ قبلا للعميد شكري المبخوت و ثانيا كنت من المشككين في تميز الرواية نظرا للهالة الإعلامية التي حظيت بها منذ صدورها .. مما جعلني أقول في نفسي : “رواية كاتبها المبخوت لازمها تتشهر”. بالإضافة لكوني لا أؤمن بمساهمات الأكاديميين الكبار في المجال الأدبي ، لأني أعتبر أن الأدب ينشأ عادة خارج أسوار الجامعات و الكليات و بعيدا عن قواعد اللغة و أحكام السرد .
لكن صورة الغلاف الحمراء التي يتوسطها رجل يصعب تحديد ملامحه، تلك الكنية الشعبية التونسية التي عادت ما نطلقها على كل شاب وسيم جعلتني أشتري الرواية انتصارا مني للغتنا الشعبية و دعما لرواية تونسية أجدها في بلاد الشرق . و هكذا حملت الطلياني معي إلى أثيوبيا و شرعت في قرائتها بنهم ، حيث تبدأ الحكاية بجنازة سي محمود رجل دين يسكن و عائلته المدينة العتيقة بتونس العاصمة حدث في جنازته واقعة غريبة حيث قام إبنه الأصغر عبد الناصر الشهير بالطلياني بالاعتداء على إمام الجامع في مجزرة الجلاز على مرأى و مسمع الجميع …
البداية كانت مشوقة و غازلت رغبتي في معرفة بقية الأحداث حيث بدأت أتصفح بتركيز أوراق الرواية ،ف سردية العميد شكري المبخوت الغارقة في الواقعية حملتني إلى تونس الى” زقاق المدينة العربي” حيث الحومة و البطحاء و للة جنينة تلك الفاتنة التي تذهب بعقول و الباب أهالي حارة الطلياني و جعلتني أيضا أترك عملي للحظات و أفتح للرواية لأنهي أحد الفصول .
كان عبد الناصر الإبن العاق في نظر أمه. و الغريب الأطوار في نظر إخوته بإستثناء أخته الصغرى ، فهو الفتى العنيد و المختلف في شكله عن بقية أخوته و من تعدد الروايات حول مولده نظرا لوسامته الأوروبية التي ازدانت مع السحر الأندلسي بالإضافة إلى صفات الرجولة و الفحولة التي ورثها عن وسطه الإجتماعي . و عليه إتسمت علاقة الطلياني مع أمه بالتوتر نظرا لطباعه الحادة وسيما انه عنيد و يحب النقاشات كثيرا و لا يأبه بأعراف و تقاليد “دار سي محمود” .
طباع التمرد رافقت الطلياني حتى الكبر ، فلقد اختار أن يكون مناضلا يساريا من أجل العدالة الإجتماعية و المساواة بين أفراد المجتمع و مصارعة الاسلاميين أصحاب المشروع الظلامي و مقارعة أنصار الحزب الحاكم ، حتى رفاقه في التنظيم الشيوعي لم يكن عبد الناصر يخصع لأمرهم بسهولة بدليل أختياره الدفاع عن زينة تلك الفيلسوفة ذات الأصول الأمازيغية و المناضلة في صلب الحركة الطلابية بتونس .
أذهلني إختيار شكري المبخوت لزينة ، كبطلة و حبيبة لبطل الرواية الطلياني ، فزينة شابة أمازيغية من الشمال الغربي التونسي ، إسمها الامازيغي أناروز و تحت حكم بورقيبة فإن الأسماء الامازيغية كانت ممنوعة كما اللغة ممنوع أيضا . ثانيا ، جمال زينة و علمها و صفاتها القيادية و الاشارة للعنف الذي تعرضت اليه من طرف رفاقها اليساريين فيه الكثير من الجرأة ، إذ قل و ندر ما يذكر الاضطهاد الذي تعانيه مناضلات اليسار من طرف اليساريين .
علاقة عبد الناصر بزينة كانت المحمل الذي أبحر بنا لزمن أخوار الثمانيات و آخر أيام الزعيم بورقيبة و الأزمة السياسية التي عرفتها تونس في تلك الفترة و التهديدات التي لحقت بالاقتصاد التونسي و بالسيادة الوطنية و الإرهاب و التطرف ….
انها قصة حب جمعت شاب “بلدي” سليل عائلة أرستقراطية و شابة أمازيغية من أصول أمازيغية سليلة الفقراء و الفلاحين يلتقيان تحت عصا البوليس التونسي و تحت العصبية اليسارية و الجهوية و الذكورية و القفر و كل الصعوبات الإجتماعية التي قد تواجه الشباب في سنهم …
ليكون الحب في رواية الطلياني كما وصفه لطفي عيسى بكماسوترا بنكهة يسارية … كانت مشاهد العشق تصور بلغة تجعلك تتعاطف مع الطلياني و تبكي وجع زينة و تسعد لنجلاء و تلعن زوج للة جنينة و تبكي مع الأبطال أيام الخوالي …
و في ذلك تكمن عبقرية العميد شكري المبخوت من أثبت لي بأن الأكاديمي يمكن أن يكون واقعي و جريء و يكتب بروح الشطار و المارقين …

الصورة نشرت بجريدة الصباح التونسية

الصورة نشرت بجريدة الصباح التونسية

1 Comment

  1. hedia

    مقبرة الجلاز 🙂 موش مجزرة

    Reply

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *