arablog.org

حديث في الغربة و الاغتراب


تَفَرُّيجُ هَمٍ وَاِكتِسـابُ مَعيشَـةٍ ****وَعِلمٌ وَآدابٌ وَصُحبَةُ ماجِـدِ
فَإِن قيلَ في الأَسفارِ ذُلٌّ وَغٌربَةٌ**** وَقَطعُ فَيَافٍ وَاِرتِكابِ الشَدائِدِ
فَمَوتُ الفَتى خَيرٌ لَهُ مِن حَياتِه**** بِدارِ هَوانٍ بَينَ واشٍ وَحاسِدِ

اِرحل بِنَفسِكَ مِن أَرضٍ تُضامُ بِها**** وَلا تَكُن مِن فِراقِ الأَهلِ في حُرَقِ
فَالعَنبَرُ الخامُ رَوثٌ في مَواطِنِهِ**** وَفي التَغَرُّبِ مَحمولٌ عَلى العُنُقِ
وَالكُحلُ نَوعٌ مِنَ الأَحجار ِ تَنظُرُهُ**** في أَرضِهِ مُرميٌّ عَلى الطُـرُقِ
فلَمّا تَغَرَّبَ حازَ الفَضلَ أَجمَعَهُ**** فَصارَ يُحمَلُ بَينَ الجَفنِ وَالحَدَقِ

كلمات الإمام الشافعي مضى عليها أكثر من عشر قرون ولكنها لا تزال حاضرة بيننا نعود إليها كلما يخذلنا الوطن ، لنبحث عن مساحات أخرى لتحضننا ، حديث في محاسن الغربة و في وجوب الرحيل حين تضيق بنا الأفاق .

رغم الحنين الذي يعترينا حين نسمع إسم بلادنا أو نلتقي بأحد ينطق ببرشا و بعيشك ، تلك النبضة القاتلة يستجيب بها قلبك كلما ترى علم بلادك و أنت تدخل لمقر العمل عند الصباح .. هي تونس  التي غدت جغرافيتها  قطعة من الجنة و هناك سأنعم بالرضى و على بحرها سألتقي برضوان و ستغطينا أجنحة ملائكة الرحمان .

 هي الغربة التي تصالحك مع أرض الوطن ، حين تكون على مسافة و يصبح ضجيج السيارات و حديث المارة المزعج سمفونية تشتهي إعادة إستماعها .. الشوق يجعل من صور المزابل الملقاة بين محطة برشلونة و شارع قرطاج و شارع ابن خلدون جزء من أجمل لوحة فنية كنت قد رأيتها .

  و هكذا يصبح إحساس الغربة أجمل و ألطف من إحساسك بالاغتراب بين أهلك و على أرضك. فالغربة تعيد نسج الروابط التي كانت مقطوعة بينك و بين مجتمعك ، ذلك المجتمع من يراك مارقا عنه و يعتبرك من مغصوبين عليهم لأنك تخطيت حواجزهم و مارست كل محظوراتهم. حينها كنت تنشد علنا ‘غربة كاسرة’ لأحمد مطر ربّ 

طالت غربتي

واستنزف اليأس عنادي

وفؤادي

طمّ فيه الشوق حتى

!بقيّ الشوق ولم تبق فؤادي

أنا حيّ ميتٌّ

دون حياة أو معاد

وأنا خيط من المطاط مشدودٌ

.إلى فرع ثنائيّ أحادي

كلما ازددت اقتراباً

!زاد في القرب ابتعادي

أنا في عاصفة الغربة نارٌ

يستوي فيها انحيازي وحيادي

فإذا سلمت أمري أطفأتني

.وإذا واجهتها زاد اتقادي

!ليس لي في المنتهى إلاّ رمادي

وطناً لله يا محسنين

…حتى لو بحلم

أكثير هو أن يطمع ميت

!في الرقاد؟

…ضاع عمري وأنا أعدو

فلا يطلع لي إلا الأعادي

وأنا أدعو

فلا تنزل بي إلا العوادي

كلّ عين حدّقت بي

!خلتها تنوي اصطيادي

كلّ كف لوّحت لي

!خلتها تنوي اقتيادي

…غربة كاسرة تقتاتني

والجوع زادي

لم تعد بي طاقة

يا ربّ خلصني سريعاً

من بلادي صورة لمها الجويني

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *