arablog.org

“جابانا بنة”: للقهوة الحبشية طقوس ومعانٍ

لا يمكن لأي أحد أن يمشي في شوارع أثيوبيا دون أن تستوقفه رائحة “جابانا بنة” اسم القهوة الحبشية بلغة أهل البلاد، الأمهرية. ليفهم المار ان القهوة هنا ليست مجرد مشروب نشتريه من أحد المحلات و نمضي، لا فللقهوة تاريخ وحضارة وللقهوة هنا طقوس.

طقوس تبدأ بتلك الجميلة السمراء الجالسة أمام موقد خشبي توقده جمار هادئة تفوح منها رائحة حبوب القهوة المقلاة والتي ستوضع بعد حين في قدر وتغلي لوقت معين ثم يقدم للجالسين أو للمارة إن صح التعبير.

المقاهي الإثيوبية على قارعة الطريق، تكفي عدة الطهي و خيمة و بعض الكراسي و مبخرة صغيرة و كراسي صغيرة مصنوعة من اللوح أو من جلس الماعز لتجعل من مساحة مترين مربع أجمل مقهى تقليدي تفوح منه رائحة أصالة الحبشة و سحرها.

تعود قصة القهوة الحبشية إلى شعب  الأورموا وهم من  السكان الأصليين للقرن الأفريقي ،  إذ كانوا أول من اكتشف وتعرف على البن وآثاره المنشطة  ومن خلال العودة للموروث الشعبي الأثيوبي نستقي هذه الحكاية : إذ يقال أن هناك راعي غنم  كان يرعى في إحدى الغابات وقد لاحظ أن الأغنام عندما ترعى في تلك الغابات تسهر الليل وتكون في نشاط فائض . قام الراعي بالآخذ من نبات التي كانت ترعى منها الغنم  و قام بتجريبها و رأى مفعولها .

ثم أخبر أفراد قبيلته بذلك .حيث  تم عرض  على الكهان واستخدمت الشجرة  كعلاج للاكتئاب والعجز والخمول  . ثم تم استخراج البن من  ،  ومن إثيوبيا إنتقل البن إلى كافة أجراء العالم ، بعد  أن أنتقل إلى اليمن .  ثم تم تصديرها  إلى مصر .

وبحلول القرن الخامس عشر استخدمت القهوة في الطقوس الدينية وفي الأديرة الصوفية في اليمن ومنها انتشرت إلى أرمينيا وبلاد فارس وتركيا ومنها إلى إيطاليا ومن ثم إلى بقية أرجاء العالم .

أغلب المطاعم هنا تُقدم القهوة الإثيوبية هنا بعد الوجبات مثل فطور الصباح أو الغداء حين يأتي إليك النادل ليعرض عليك ذاكرا إياها ، أو مشيرا إلى مكان إعدادها لان طقوس إعدادها يجب هي عمود تقديمها ، إذ يوجد ركن أو مساحة صغيرة وسط المطعم المهم تكون على مرمى العين ، تفوح منها رائحة البخور و رائحة أوراق الأشجار الخضراء المتناثرة على الأرض ،كما يشد انتباهك صوت حبوب القهوة في المقلات ، يجذبك المشهد من بعيد تتقدم لتكتشف يبتسم لك النادل و يعرض عليك الأكل من الذرة الطازجة الموضوعة في قدر خشبي على الطراز الإثيوبي التقليدي تضعه الفتاة القائمة على إعداد الجابانا ألبنة أمامها ، تأخذ من الذرة تنظر إلى كؤوس القهوة الصغيرة البيضاء تعرض عليك الفتاة ان تتذوق من قهوتنا تبتسم لها بالقبول و تسعد بالكرم الإثيوبي و بضيافتهم إليك و لكنك لا تستطيع مفارقة المكان .

فصاحبة الجابانا بنة ، سمراء حبشية بفستان أبيض عليه تطريز منمق الألوان يتوسطه الصليب الأرثوذكسي  أو نقوش إفريقية تجعلك ترى فيها ألوان وطنك الذي تشتاقه ، تحتسي القهوة وسط الأصدقاء و تشتم البخور النابع مع مبخرة صغيرة قدمت إليك مع الطبق ، يحملك الطعم و الرائحة إلى أسواق مدينتك القديمة و صوت أمك و هي تعرض على جارتها القدوم لشرب فنجان قهوة معها بعد صلاة العصر عند عرض مسلسل ليالي الحلمية على تلفزيون …

هي ليست مجرد قهوة، بل هو موعد مع وطني و مع ذكريات الصغر حين كان العالم يسكن حارتنا …

 

 

فتاة من مدينة اكسوم شمال أثيوبيا ، بصدد إعداد البنة التقليدية

فتاة من مدينة اكسوم شمال أثيوبيا ، بصدد إعداد البنة التقليدية

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *