arablog.org

رسالة من الناحية الأخرى

كولالمبور

كتب لها : يا ترى إلى ماذا تنظرين في الناحية الأخرى ؟

تمعنت في الرسالة وابستمت وكتبت إني أنظر الى وطني، حينها كنت في الطابق الرابع وثلاثين في عمارة قبالة” البرجين الاثنين” بمدينة كوالالمبور بماليزيا، بيني وبين تونس مسافات وأميال ولكني لا أرى سواها ولا أشتم سوى عبق ياسمينها ثورتها .. فهل تعلم يا صيدقي معنى الياسمين؟ إنه إسم تلك الثورة المبتورة … ياسمين وجع الجرحى وإسم الشهداء … ياسمين إسم صبية تخشى الظلام وتكره الوقوع في الحفر .
إنها تونس المنقوشة في التاريخ قبل حدود جلد الثور وقبل قدوم بعل وتانيت وقبل أثينا وقبل رحيل وقبل مولد سارة وقبل تكور صدر كليوباترا وقبل أن تعرف شهرزاد سر الأنوثة. كانت تينست بوابة بلاد إفريقية تلك الفاتنة القريبة البعيدة كالمنشدات للألهة في أحد المعابد، كما الغزلان روحها لا تعرف الحزن، مثل لبؤة إفريقية تقف تزمجر في وجه طغاتها، مثل حمامة بيضاء ترمي السلام لزوارها .
أنظر لتلك البنايات الشاهقة والعمارات ذات التكنولوجيا الرفيعة ومرت على مسامعي أغنية “إن قدر الله يابن مراد نركب جواد نجيك منين إشتهيت العناد” أغنية صوفية للشيخ بن مراد أحد الفرسان الصالحين بتونس وأحزن فجل الزاويا مغلقة وهناك من تعرضن للحرق والتلف وحتى الأغاني الصوفية تحاصرها فتاوى الوهابية وبخورنا ملاحق من بني أفغان، نعم تلك الجالية الأفغانية التي إستوطنت تونس وإكتسحت الأسواق بالاقمصة وبالبخور والعطور الافغانية التي تصادر عطر الوطن … كالغربان ياصديقي صوتهم يخيف ويذهب ملائكة الرحمان. والمدينة الطاهرة تحارب لوحدها شياطين الظلام .
في تلك الليلة، لبست قلادة عليها “خمسة” و”عين زرقاء” وتمنيت لنفسي الحظ الطيب: عمل، شهادة عالية وحب وطني، لا تضحك من تلك العبارة فالحب غابت عنه الملامح هنا، حتى المعاكسات أصحبت كنشرة الأخبار ممللة وقديمة ولا روح فيها كوجه حاكم البلاد حين يعلمنا بآخر القرارات والتوجيهات، والأغاني غدت متكررة وكأن الشعراء في أرضنا لم تلدهم حواء … ناهيك عن الشوارع الضيقة لقد أصبحت خاوية و كأن العاشقين نسوا فعل القُبل ، فلا نسمع خطوات للباحثن عن خلوة ولا نرى الوشاة .وتمنيت فعلا، أن يعود الحب و الحمام لأرضنا بعد لعنة ربيع العرب .

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *