arablog.org

لبسنا قشرة الحضارة و الروح جاهلية

رغم مظاهر العصرنة و التقدم التكنولوجي و علوم الاتصالات و علوم التواصل و هذا الكم الهائل من المعدات الرقمية أحس ان روح الجاهلية تحوم كل الأماكن ، أرى التتار و غيوم الرجعية تغطي سمائنا ، وحده العنف و الصوت الخشن و الكلام القصير كإرساليات الهاتف النقال هو المسيطر ..
فلا فرح و لا عبق الياسمين يتطاير في أرضنا … لا عطر أنوثة يغري العاشقين و لا فروسية تستهوي العاشقات ، حتى قلم شفاهي غدى باهتا هذه الايام ، فلا لون أحمر و لا ذلك اللون الزهري غير الشحوب الذي إعتراني …
في أي زمن نحن ؟ و على أي أرض نعيش ؟
ما بال فعل الحب محاصر في وطني … ما بال تلك المشاعر الصادقة غدت مثل الجريمة نخاف الوقوع فيها أو البوح بها هل خوفا من الرفض أو ربما خوفا من السخرية، كيف سنقول “أحبك” على شاكلة كوليت خوري و هي تكتب ” أريد رجلا يحبني و هو يعلم أن الجميلات أجمل مني و أذكى مني” أو نقولها كما صدحت بها فيروز على إحدى المسارح “بحبك ما بعرف هيك قالولي …”
ماذا لو صرحن بذلك و أنهينا قولنا بإستشهادا بعبد الوهاب الدوكالي “ماأنا إلا بشر عندي قلب و نظر”
لماذا نكتفي برابط لإحدى أغاني كاظم الساهر لنعبر عما يخالجنا من مشاعر ؟
لماذا يمر العاشقين دون الوقوف امام بائعي الورد أو بائعي الكتب أو بائعي الشكلاطة ، لماذا نكتفي بصو الجميلة التي عالفايس البوك وبالمجموعات الافتراضية التي تتغنى بالحب الكوري و بالحب الهندي و لا نرى صورا لحب من أرضنا …
لا تزال أمي تحتفظ ببطاقة سينما من إحدى القاعات كانت قد ذهبت اليها خلسة مع صديقتها معها صورة لفريد الاطرش و شادية بطاقة الفليم اشترتها عندما قضبت أول راتب ، لا تزال امي تختفظ بصورة مع أبي في احدى المقاهي و هي تحمل وردة حمراء و شعرها البني الالمس منسدل على كتيفها ، حين إستغل أبي مناسبة الصورة الشمسية ليلامس يديها و هي تبتسم خجلى ..
اشاهد تلك الصور و أبتسم و أسالها و أعيد سؤالي لتحدثني عن ذلك الزمن حيث المواصلات صعبة و الظروف الاقتصادية غير مزدهرة فقط كان التلفزيون الابيض و الاسود و راديو الوطني هو المنفذ حيث يوصي “بورقيبة” شعبه بالتمدن و بالوطنية و باحترام النساء و إعطائهم فرص و يعدهم بأن تكون تونس منارة ، و تنافس قوى العالم …
أمام حديث أمي عن روايات إحسان عبد القدوس و نجيب محفوظ و عن شعرها و عن فساتنيها و عن مقاهي تونس ، أصمت فأمام ما نشهده من حرية و ديمقراطية و إنتفتاح و و و و ليس لنا قاعات سينما مفتوحة و لا نشتري الكتب و لا نرى عاشقين ينتظرون في محطة قطار الضاحية الشمالية …و لا نسمع قصائد جديدة تهزنا و لا وصايا رئيس لننقدها أو لنرضى بها . شوارعنا تعج بالعنف و بهرطقات السياسية و أخبار عن داعش و عن الارهاب و عن الفساد و عن الاصلاح و إعلانات لطب الرعواني
أي زمن نعيش فيه ؟ و أي أنواع الحداثة نشهد ؟ تكنولوجيا بدون روح إنسان ، تطور مع تقهقر للقيمة الذات .. فعلا لبسنا قشر الحضارة و الروح جاهلية .

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *